موضوع: سلسلة الوقفات العشر من كتاب رب البشر : الوقفة السادسة الجمعة مارس 01, 2013 12:01 pm
الوقفة السادسة :
قال الله تعالى:{ فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين }
جاءت هذه الآية في قصة سليمان عليه الصلاة والسلام مع الهدهد وهي من روائع القصص في كتاب الله الكريــم ..
لعلنا أحبتي .. نقف مع لطيفة بديعة .. ولؤلؤة مكنونة .. ودرة مصونة .. تخفيها هذه الآية الكريمة ..
إن من أجل الصفات وأرفع الخصال وأسمى الخلال أن يكرمك الله العلي الأعلى باقتفاء آثارالأنبياء والمرسلين وفي ثنايا هذه الآية الكريمة الجليلة خصلة من الخصال الحميدة التي اتصف بها نبي الله سليمان عليه السلام .. تنجلي لنا متى ما فهمنا تفسير الآية .. ولذلك دعونا نقرأ تفسيرها أولا ثم ندلف إلى هذه الخصلة لنتعرف عليها من قريب .. قال المفسرون _رحمهـم الله_ في تفسيرها :
أن سليمان لما جمع الجنود والحشود افتقد الهدهد "فقال ما لي لاأرى الهدهد" أي : أين هو فإني لا أراه .. ثم عقب بقوله: "أم كان من الغائبين " قال الإمام القرطبي رحمة الله عليه : " أم " هنا تسمى أم المنقطعة وهي التي تقطع وتفصل بين ما قبلها وما بعدها وهي هنا بمعنى (( بل )) أي : بل كان من الغائبين .. هذا هو تفسيرها .. الخصيصة التي اتصف بها نبي الله سليمان عليه السلام هي : إحسان الظـن .. حيث أنه نسب الأمر إلى نفسه أولا بقوله: " ما لي لا أرى الهدهد" ويفهم من هذا أن الهدهد قد يكون موجودا ولكني لم أره فالخطأ خطئي ..
والذي يؤكد لنا أن ذلك إحسان ظن من سليمان عليه السلام أنه قال بعدها "أم كان من الغائبين" ومعنى ذلك أن سليمان عليه السلام متأكد من أن الهدهد غير موجود أصلا ولكنه ذكرها ثانيًا .. ياأحبتاه .. ياإخوتاه ..
إن النفس المؤمنة المطمئنة الزكية الطاهرة .. هي تلك النفس التي لا تحمل تجاه الآخرين إلا إحسان الظن وحمل الكلام والصنائع على محمل حسن خاصة إن كانوا من الإخوة والأحباب .. كم أفسدت إساءة الظن من علاقات كانت يوما من الأيام حميمية .. وقطعت من وشائج كانت وثيقة قويـــــــــــــــــة؟!!
كم خسرنا من إخوة وأحبة بإساءة ظن ؟!! بل ربما ظهر أننا مخطئون ولكننا وللأسف لم نرد أن نرى أنفسنا في موطن المعتذر المتأسف .. وهذه والله قاصمة الظهر .. إن الدعوة إلى إحسان الظن ليست دعوة إلى الغفلة والانخداع .. لا .. بل هي دعوة إلى زكاء النفس وطهر الروح وجمال السريرة ونقاء الباطن .. لأنك بذلك تسمو بنفسك وتعتلي بإيمانك وترتفع بروحك .. فتحيا وتعيش على ما عاش عليه السلف الأوائل ..
ألسنا نقرأ قصة يوسف ؟ ونسمع حكاية الصحابي الذي لا يبيت وفي قلبه على أحد من الناس شيء البتة . وغيرها الكثير .. هي دعوة إلى مراجعة نصيب إحسان الظن من حياتنا اليومية التي يحصل بها كثير من المواقف مع أخلاط من الناس بعضهم قريب والآخر من الأباعد .. ولكن يبقى أن المؤمن سليم الصدر يحسن الظن بمن أمامه إلا أن يظهر له خلاف ذلك ! ! !
سلسلة الوقفات العشر من كتاب رب البشر : الوقفة السادسة