يقول الكلبي في كتاب " الأصنام " إن آدم عليه السلام لما مات، جعله بنو شيث بن آدم في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند ، ويقال للجبل نوذ، وهو أخصب جبل في الأرض ، ويقال: أمرع من نوذ، وأجدب من برهوت: وبرهوت وادٍ بحضرموت، بقرية يقال لها تنعة.
حدثنا أبو علي العنزي قال: حدثنا على بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: وكان بنو شيثٍ يأتون جسد آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه، فقال رجل من بني قابيل بن آدم: يا بني قابيل! إن لبني شيثٍ دواراً يدورون حوله ويعظمونه، وليس لكم شيء، فنحت لهم صنما، فكان أول من عملها.
حدثنا الحسن بن عليلٍ قال: حدثنا على بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر قال: وأخبرني أبي قال: كان ود وسواع ويغرث ويعوق ونسر قوماً صالحين، ماتوا في شهرٍ. فجزع عليهم ذوو أقاربهم. فقال رجل من بني قابيل: يا قوم! هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم، غير أني لا أقدر أن أجعل فيها أواحاً؟ قالوا: نعم! فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم.
فكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه، فيعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن الأول، وعملت على عهد يردى بن مهلايل بن قينان بن أنوش بن شيث ابن آدم، ثم جاء قرن آخر، فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول.
ثم جاء من بعدهم القرن فقالوا: ما عظم أولونا هؤلاء، إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله، فعبدوهم وعظم أمرهم واشتد كفرهم، فبعث الله إليهم إدريس عليه السلام وهو أحنوخ بن يارد بن مهلاييل بن قينان نبياً فدعاهم فكذبوه، فرفعه الله إليه مكاناً علياً.
ولم يزل أمرهم يشتد، فيما قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، حتى أدرك نوح بن لمك بن متوشلح بن أحنوخ. فبعثه الله نبياً، وهو يومئذ ابن أربعمائة وثمانين سنةً، فدعاهم إلى الله " عز وجل " في نبوته عشرين ومائة سنةٍ، فعصوه وكذبوه، فأمره الله أن يصنع الفلك، ففرغ منها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق، ومكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة، فعلا الطوفان وطوق الأرض كلها.
وكان بين آدم ونوحٍ ألفا سنةٍ ومائتا سنةٍ ، فأهبط ماء الطوفان هذه الأصنام من جبل نوذٍ إلى الأرض، وجعل الماء يشتد جريه وعبابه من أرضٍ إلى أرضٍ حتى قذفها إلى أرض جدة، ثم نضب الماء وبقيت على الشط، فسفت الريح عليها حتى وارتها.
حدثنا الحسن بن عليلٍ قال: حدثنا علي بن الصباح قال: قال لنا أبو المنذر هشام بن محمد: إذا كان معمولا من خشب أو ذهب أو من فضة صورة إنسانٍ، فهو صنم؛ وإذا كان من حجارةٍ، فهو وثن.
حدثنا العنزي قال: حدثنا على بن الصباح قال: حدثنا أبو المنذر عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباسٍ أن آخر ما بقي من ماء الطوفان بحسمى من أرض جذام، فإنه مكث أربعين سنةً ثم نضب.
حدثنا أبو علي العنزي قال: حدثني على بن الصباح قال: قال أبو المنذر: قال الكلبي: وكان عمرو بن لحى، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد، وهو أبو خزاعة وأمه فهيرة بنت الحارث، ويقال إنها كانت بنت الحارث بن مضاض الجرهمي، وكان كاهنا، وكان قد غلب على مكة وأخرج منها جرهماً وتولى سدانتها، وكان له رئى من الجن وكان يكنى أبا ثمامة، فقال له: عجل بالمسير والظعن من تهامه بالسعد والسلامه! قال: جير ولا إقامه.
قال: ايت ضف جده، تجد فيها أصناما معده، فأوردها تهامة ولا تهاب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجاب.
فأتى شط جدة فاستثارها ثم حملها حتى ورد تهامة، وحضر الحج، فدعا العرب إلى عبادتها قاطبةً،
فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، فدفع إليه وداً، فحمله إلى وادي القرى فأمره بدومة الجندل، وسمى ابنه عبدود، فهو أول من سمى به، وهو أول من سمى عبدود، ثم سمت العرب به بعد.
وجعل عوف ابنه عامراً الذي يقال له عامر الأجدار سادناً له. فلم تزل بنوه يسدنونه حتى جاء الله بالإسلام.
قال أبو المنذر: قال الكلبي: فحدثني مالك بن حارثة الأجداري أنه رآه، يعني ودا، قال: وكان أبي يبعثنى باللين إليه، فيقول: اسقه إلهك. قال: فأشربه، قال: ثم رأيت خالد بن الوليد بعد كسره فجعله جذاذاً.
وكان رسول الله " صلى الله عليه وسلم " بعث خالد بن الوليد من غزوة تبوك لهدمه، فحالت بينه وبين هدمه بنو عبدود وبنو عامر الأجدار، فقاتلهم حتى قتلهم.
فهدمه وكسره، وكان فيمن قتل يومئذٍ رجل من بني عبدود، يقال له قطن بن شريح. فأقبلت أمه فرأته مقتولا، فأشارت تقول:
ألا تلك المودة لا تدوم ... ولا يبقى على الدهر النعيم!
ولا يبقى على الحدثان غفر ... له أم بشاهقةٍ رءوم!
ثم قالت:
يا جامعاً، جامع الأحشاء والكبد! ... يا ليت أمك لم تولد ولم تلد!
ثم أكبت عليه فشهقت شهقةً، فماتت.
وقتل أيضا حسان بن مصادٍ ابن عم الأكيدر، صاحب دومة الجندل.
وهدمه خالد.
قال الكلبي: فقلت لمالك بن حارثة: صف لي وداً حتى كأنى أنظر إليه. قال: كان تمثال رجلٍ كأعظم ما يكون من الرجال، قد ذبر عليه حلتان، متزر بحلة، مرتدٍ بأخرى. عليه سيف قد تقلده و قد تنكب قوسا، وبين يديه حربة فيها لواء، ووفضة أي جعبة فيها نبل.
قال: وأجابت عمرو بن لحى مضر بن نزارٍ، فدفع إلى رجل من هذيل، يقال له الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن اليأس بن مضر سواعاً، فكان بأرضٍ يقال لها رهاط من بطن نخلة، يعبده من يليه من مضر. فقال رجل من العرب:
تراهم حول قيلهم عكوفاً ... كما هكفت هذيل على سواع.
تظل جنابه صرعى لديه ... عتائر من ذخائر كل راع.
وأجابته مذحج. فدفع إلى أنعم بن عمرو المرادي يغوث، وكان بأكمة باليمن، يقال لها مذحج، تعبده مذحج ومن والاها.
وأجابته همدان، فدفع إلى مالك بن مرثد بن جشم بن حاشد بن جشم ابن خيران بن نوف بن همدان يعوق.
فكان بقرية يقال لها خيوان، تعبده همدان ومن والاها من أرض اليمن، وأجابته حمير، فدفع إلى رجل من ذي رعينٍ يقال له معد يكرب نسراً.
فكان بموضعٍ من أرض سبإٍ يقال له بلخع، تعبده حمير ومن والاها، فلم يزل يعبدونه حتى هودهم ذو نواس.
فلم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله النبي " صلى الله عليه وسلم " فأمر بهدمها.
قال هشام: فحدثنا الكلى عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال النبي " عليه السلام " : رفعت لي النار فرأيت عمراً رجلاً قصيراً أحمر أزرق يجر قصبه في النار، قلت: من هذا؟ قيل: هذا عمرو بن لحى، أول من بحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وسيب السائبة، وحمى الحامى، وغير دين إبراهيم، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أشبه بنيه به قطن بن عبد العزى، فوثب قطن فقال: يا رسول الله! أيضرني شبهه شيئا؟ قال: لا، أنت مسلم وهو كافر، وقال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " : ورفع لي الدجال، فإذا رجل أعور، آدم، جعد، وأشبه بني عمرو به أكثر بن عبد العزى. فقام أكثم فقال: يا رسول الله! هل يضرني شبهي إياه شيئاً؟ قال: لا، أنت مسلم وهو كافر.
حدثنا العنزي أبو علي قال: حدثنا علي بن الصباح قال: أخبرنا هشام بن محمد أبو المنذر قال: أخبرنا أبو باسلٍ الطائي عن عمه، عنترة بن الأخرس قال: كان لطي صنم يقال له الفلس، وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجأ، أسود كأنه تمثال إنسان. وكانوا يعبدونه ويهدون إليه ويعترون عنده عتائرهم، ولا يأتيه خائف إلا أمن عنده، ولا يطرد أحد طريدةً فيلجأ بها إليه إلا تركت له ولم تخفر حويته.
وكانت سدنته بنو بولان، وبولان هو الذي بدأ بعبادته، فكان آخر من سدنه منهم رجل يقال له صيفي، فأطرد ناقةً خليةً لامرأةٍ من كلبٍ من بني عليمٍ، كانت جارةً لمالك بن كلثوم الشمجى، وكان شريفا، فانطلق بها حتى وقفها بفناء الفلس، وخرجت جارة مالكٍ فأخبرته بذهابه بنا قتها، فركب فرساً عرياً، وأخذ رمحه، وخرج في أثره، فأدركه وهو عند الفلس، والناقة موقوفة عن الفلس، فقال له: خل سبيل ناقة جارتي! فقال: إنها لربك! قال: خل سبيلها! قال: أتخفر إلهك؟ فبوأ له الرمح، فحل عقالها وانصرف بها مالك، وأقبل السادن على الفلس، ونظر إلى مالكٍ ورفع يده وقال، وهو يشير بيده إليه:
يا رب إن مالك بن كلثوم ... أخفرك اليوم بنابٍ علكوم
وكنت قبل اليوم غير مغشوم! يحرضه عليه، وعدي بن حاتم يومئذ قد عتر عنده وجلس هو ونفر معه يتحدثون بما صنع مالك، وفزع لذلك عدي بن حاتم وقال: انظروا ما يصيبه في يومه هذا. فمضت له أيام لم يصبه شيء. فرفض عدي عبادته وعبادة الأصنام، وتنصر، فلم يزل متنصرا حتى جاء الله بالإسلام، فأسلم.
فكان مالك أول من أخفره، فكان بعد ذلك السادن إذا أطرد طريدةً، أخذت منه، فلم يزل الفلس يعبد حتى ظهرت دعوة النبي " عليه السلام " فبعث إليه على ابن أبي طالب فهدمه وأخذ سيفين كان الحارث بن أبي شمر الغساني، ملك غسان قلده إياهما، يقال لهما مخذم ورسوب وهما السيفان اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة في شعره، فقدم بهما علي بن أبي طالب على النبي " صلى الله عليه وسلم " فتقلد أحدهما ثم دفعه إلى علي بن أبي طالب، فهو سيفه الذي كان يتقلده.
اليعبوب - صنم لجديلة طي. وكان لهم صنم أخذته منهم بنو أسد، فتبدلوا اليعبوب بعده. قال عبيد:
فتبدلوا اليعبوب بعد إلههم ... صنما، فقروا يا جديل واعذبوا! أي لا تأكلوا على ذلك ولا تشربوا.
باجر - قال ابن دريد وهو صنم كان للأزد في الجاهلية ومن جاورهم من طي وقضاعة، كانوا يعبدونه، بفتح الجيم، وربما قالوا باجر بكسر الجيم.
من كتاب الأصنام لهشام بن الكلبي