بقلم / الدكتور جمال عبد الهادي
"داود النبى المسلم عليه السلام خليفة على أرض فلسطين في القرن السابع عشر قبل هجرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم"
لله سنن كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، ومنها: التمكين فى الأرض للمؤمنين الموحدين:"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا" (1)
وتحقيقاً لهذا الوعد الربانى مكن الله لداود عليه السلام فجعله خليفة على أرض فلسطين يحكم فيها بشرع الله " وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين" (2)قامت على أرض الشام دولة إسلامية، عاصمتها بيت المقدس، على رأسها نبى الله المسلم داود: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ" (3)
وقد وردت أخبار هذا النبى الكريم فى القرآن الكريم (4) وأحاديث النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وكلها تؤكد حقيقة هامة وهى كون داود نبياً مسلماً، طائعاً منقاداً لله بالكلية.. وكان من أثر ذلك أن الله قد سخر له الجبال والطير يسبحن الله لتسبيحه.
ولقد مكن الله سبحانه وتعالى لداود المجاهد فى الأرض، ومن مظاهر هذا التمكين أن الله سبحانه وتعالى علمه صناعة الدروع من الحديد ؛ ليحصن المقاتلين من أعدائهم.
ورغم أن داود عليه السلام كان خليفة، وكان إماماً لأمته، وقاضياً يفصل فى قضاياها، فإن ذلك لم يمنعه أن يقتات من عمل يده، ولم يعش عالة على أمته، وقيام داود بواجبات الملك ، وما يقتضيه من أعمال لم يحل بينه وبين ساعات يمضيها متعبداً ساجداً لله ، فهو الملجأ والملاذ ، ومنه يتلقى العون والتأييد.
ويوم يكون فى الأمة قواد يتأسون بهذا النبى ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينذاك سوف يتنزل عليهم نصر الله.
وقد توفى داود وله من العمر مائة عام (5) ، فتولى الأمر على أرض الشام من بعده – بأمر الله - ابنه سليمان.
"سليمان خليفة على أرض الشام وجزيرة العرب في القرن السابع عشر قبل هجرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم"
قيض الله للأرض المباركة بعد وفاة داود عليه السلام ابناً له نجيباً هو رسول الله سليمان عليه السلام الذى استخلفه الله على دولة امتدت حدودها – على الأقل – لتشمل بلاد الشام كلها (سورية وفلسطين) وجزيرة العرب، وكانت عاصمتها بيت المقدس.
وقد مكن الله لسليمان على هذه الأرض المباركة ، ووهب له ملكاً لا ينبغى لأحد من بعده ، والذى يعترف به سليمان والذى يعبر عنه قول الله : "وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" (6)
فقد كان سليمان يعرف لغة الطير: "عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ" (7) ولغة النمل (مع سماع أصواتها رغم خفوتها)، ولغة الجن والإنس، وكان له جيش ينتظم فيه جنود من الجن والإنس"وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ"(8) أى بلغة العصر كان سليمان يملك قوات جوية (طيران) وقوات بحرية: "وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ " (9) وقوات أرضية (برية)، تتميز عن جيوش العصر الحديث بضمها جنوداً من الجن، يرون الناس والناس لا يرونهم.
كما مكن الله لسليمان بإمكانيات مادية وعلمية ، استخدمها فى إحضار عرش ملكة سبأ من جنوب الجزيرة العربية ، دولة سبأ إلى بيت المقدس فى غمضة عين (مع إنها مسافة كان يقطعها الناس فى شهرين ذهاباً وإياباً) واستخدامها أيضاً فى تمريد الصرح .
كما سخر الله له الرياح التى تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ، وكان سليمان نبياً شاكراً، لقد وظف كل هذا التمكين الربانى فى الدعوة إلى الإسلام.
وقد وردت الأخبار الصحيحة عن هذا النبى الكريم فى القرآن الكريم ، وحديث النبى محمد صلى الله عليه وسلم (10).
معالم بارزة ترسيها سيرة سليمان على الأرض المقدسة (فلسطين):
* أن سليمان نبى مسلم وإلى الإسلام كان يدعو .
* أن الدولة التى كان يحكمها سليمان وعاصمتها بيت المقدس، كانت دولة إسلامية، دينها الإسلام، وبه تعمل، وإليه تدعو الناس
* إن الواجب الذى أنيط بسليمان الرسول المسلم تحقيقه على أرض الشام (سورية وفلسطين) الجزيرة العربية وغيرها – هو إقامة حكم الله ، وذلك يعني أن واجب المسلمين الآن بالدرجة الأولى هو استعادة أرض فلسطين وغيرها من الأراضى الإسلامية المغتصبة ؛ لأنها ميراثهم عن الأمة المسلمة ؛ ليقيموا عليها نظام الإسلام وشرعه ، لا لإقامة دولة علمانية كما كان ينادى بعض أبناء فلسطين على منبر ما يسمى بالأمم المتحدة .
* إن سليمان قام ببناء بيت المقدس وتجديد وإكمال مسجد بيت المقدس (المسجد الأقصى) الذى أسسه آدم ، وقام بتجديده ، وعمل إضافات له أكثر من شخص منهم إبراهيم ويعقوب وداود – عليهم السلام
أى أن سليمان لم يبن هيكلاً كما زعمت يهود، ولكنه بنى مسجداً يتعبد فيه المسلمون لله
وهذا أيضاً يدحض أيضاً ادعاء النصارى أن المسجد الأقصى كان كنيسة قد أقامها الإمبراطور جستنيان تبجيلاً للعذراء فى الأصل ، وحولت إلى مسجد بأمر الخليفة عمر بن الخطاب (11).
وللمسجد الأقصى أهمية وفضيلة لكونه مسجد الأنبياء ، والدليل حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومسجد الأقصى "(12).
ومن هنا يتضح لنا التشويه والتزييف الذى تعرض له تاريخ داود وسليمان على أيدى اليهود ومن شايعهم من الصليبيين ، ومن أبناء العرب والمسلمين.. وأن هذا التشويه والتزييف المتعمد يهدف إلى تربية أجيال لا تعرف حقيقة تاريخها الإسلامى ، وحقيقة العلاقة التى تربطها بأمتها الإسلامية على امتداد الزمن ، وحقيقة المقدسات التى يجب أن تحرص عليها.
وقد نجحت الخطة أيما نجاح ، فقد نشأت أجيال تحمل أعلى الدرجات العلمية سلمت لليهود بأن لهم حقاً فى الأرض المقدسة .
روى الإمام البخارى حديثاً: "حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم التيمى عن أبيه قال: سمعت أبا ذر ، قال: قلت: يا رسول الله، أى مسجد وضع فى الأرض أول ؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أى ؟ قال: المسجد الأقصى ، قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلّه، فإن الفضل فيه".
وقد ورد فى شرح الحديث:
أ- أن المسجد الحرام بمكة المكرمة كان أول بيت وضع لعبادة الله.
ب-المسجد الأقصى يعنى مسجد بيت المقدس، قيل الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة .
ج-أن أول من أسس المسجد الأقصى هو آدم عليه السلام قبلة لبعض ذريته.
د-أن ما قام به يعقوب ومن قبله إبراهيم – عليهما السلام – هو رفع القواعد لهذا المسجد .
هـ-أن ما قام به داود هو تجديد لذلك ، ابتدأ بناءه فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان (13)
المصدر : موقع التاريخ
الهوامش :
(1) النور : 55
(2) البقرة : 251
(3) (ص : 26) ؛ تفسير القرآن العظيم ج 4، ص 32
(4) (سبأ: 10– 11)؛ (الأنبياء: 79– 80)؛ (ص: 17– 26)؛ تفسير القرآن العظيم: ج3، ص 226– 227، المصدر السابق، ج4، ص29– 32؛ البداية والنهاية، ج2، ص10؛ تفسير القرآن العظيم، ج3، ص185– 186
(5) البداية والنهاية : ج 2، ص 16، انظر : أخطاء يجب أن تصحح فى التاريخ، ذرية إبراهيم عليه السلام، تأليف د. جمال عبد الهادى، ود. وفاء محمد رفعت، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة
(6) النمل : 16
(7) النمل : 16
(8) النمل : 17
(9) ص : 37
(10) انظر التفاصيل : أخطاء يجب أن تصحح فى التاريخ، ذرية إبراهيم – عليه السلام -، سورة النمل : الآيات : 15 – 44 ؛ تفسير القرآن العظيم، ج 3، ص 358 – 366، نفس المصدر، ج 4، ص 33 – 39 ؛ البداية والنهاية، ج 1، ص 20 – 26
(11) حضارة العرب، تأليف جوستاف لوبون، ص162
(12) رواه البخارى فى كتاب فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة، صحيح أبى عبد الله البخارى، مكتبة ومطبعة المشهد الحسينى، ج2، ص73؛ فتح البارى، ج3، ص63– 68؛ الجامع لأحكام القرآن ج10، ص211
(13) انظر: فتح البارى، ج6، ص407–410؛ الجامع لأحكام القرآن، ج4، ص136– 137؛ تفسير القرآن العظيم، ج1، ص383 .