منتدى بربيح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
القرآن الكريمموقعناالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولكورة بربيح

 

 ما ظننتم أن يخرجوا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
القائد العام
القائد العام
Admin


تاريخ التسجيل : 29/08/2008
الاقامة : الجزائر
الجنس : ذكر
المشاركات : 2981
السٌّمعَة : 4

ما ظننتم أن يخرجوا Empty
مُساهمةموضوع: ما ظننتم أن يخرجوا   ما ظننتم أن يخرجوا Emptyالجمعة سبتمبر 07, 2012 9:31 pm


من الحقائق المعروفة عقلاً وواقعاً أن الإيمان بأمر من الأمور يأتي ثمرة لقناعة تتولد من خلال البحث والاستدلال والاستقراء والاختبار والمعاناة والاستعداد الفطري , وأن موطن هذا الإيمان هو القلب – بالتعبير الإسلامي – المحل المنوط به الإدراك وتحقق القناعة , وهو أمر داخلي مغيب ، والاستدلال عليه إنما يكون برصد سلوك صاحبه , وليس السلوك الظاهري على كل حال دليلاً كافياً على توفر القناعة, فقد ينافق إنسان فيظهر غير ما يبطن ؛ لتحقيق مأرب ، وقد يتملق آخر الشعور الإسلامي ؛ ليخفي حقيقة أمره في مجتمع المسلمين ، ويبقي الإيمان مقره القلب , ولا سلطان لأحد عليه إلا سلطان الدليل .


وغياب هذه الحقيقة عن الساحات الفكرية , ووسائل العمل , والظن بأن الإرهاب الفكري أو الإغراء المادي ، أو تحقيق المصالح , يصنع مؤمنين بالمبادئ مضحين في سبيلها وهمٌ خادعٌ ؛ لأنه يزيد في مساحة المنافقين والانتهازيين الذين لا يريدون بالأمة خيراً .


ومن التوهم أيضاً الظن بأن العقائد تنشأ بقرار رسمي , وأن الإيمان لا بد له من إذن السلطان "آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُم) الأعراف : 123 ، لذلك قال الله تعالى : "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" البقرة : 256 وخاطب الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم بقوله : "ّلَسْتَ عَلَيهِم بِمُصَيْطِرٍ" الغاشية : 22 وقوله : "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" يونس : 99 وحدد مهمته بالبلاغ المبين "مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ" المائدة :99 .


وبين أن طريقة هذا البلاغ , وتحقيق القناعة للناس إنما يكون بالدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة , والمجادلة بالتي هي أحسن ؛ لأن الله وحده هو الأعلم بمن ضل عن سبيله , وهو أعلم بالمهتدين , وأمر الثواب والعقاب مرده إلى الله في نهاية رحلة الحياة , وهذه قضية لا مجال فيها لجدال أو مناقشة , وغيابها عن التصور لا يعدو أن يكون جهلاً بها , أو سوء فهم لها.


لكن المشكلة اليوم التي لا بد من تحرير القول فيها تطرح وجهاً آخر للقضية , ذلك أن الإسلام ابتداء هو التزام , وليس إلزاماً , والإيمان اختيار , وليس إكراهاً أو إجبارا ، والسؤال الذي لا بد من حسم الإجابة عنه : هل ينسحب هذا الاختيار على كل جزئية وتكليف وقضاء وتشريع في الإسلام ؟


أو بمعنى آخر , هل بعد اقتناع الإنسان بالإسلام وإيمانه به , وارتحاله إليه , والتزامه به , يمكنه أن يقوم بعملية الاختيار , والانتقاء من التكاليف الإسلامية الثابتة تحت شعار"لا إكراه في الدين" ؟.


أم أن الاختيار إنما يتحدد ابتداء في أصل القبول بالإسلام أو الرفض له ، وبعد ذلك تأتي التكاليف الشرعية ثمرة , ونتيجة طبيعية ومنطقية للاختيار الأول , وليست هي بحد ذاتها ساحة للاختيار أصلاً , إذ لا يمكن عقلاًَ أن أؤمن بأمر , ثم اتنكر للنتائج التي تترتب على إيماني به ، وأتوهم أن لي حق الانتقاء والاختيار , حيث لا إكراه في الدين .


لغير المسلم حق الاختيار , وله عدم الإكراه ابتداءً ، فإذا التزم بالإسلام ألزم بالنتائج جميعاً التي تترتب على التزامه الأول.


فالإسلام يبدأ التزاماً , وينتهي إلزاماً ، بمعنى الإلزام بالنتائج المترتبة على الاختيار الأول , وإلا كيف يمكن أن نتصور أن الإسلام يبني أمة , ويقيم مجتمعاً , ويحاسب خارجاً , ويشرع قانوناً , ولا يضع لذلك مؤيداته المادية والمعنوية؟ !.


من هنا فإن قول الله تعالى : "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" الأحزاب : 36 الذي يحسم الإجابة لا يتعارض مع قوله تعالى : "لا إكراه في الدين" فقبول قضاء الله تعالى , وقضاء الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة للإيمان الأول ؛ لذلك جاء قوله تعالى :"لمؤمن ولا مؤمنة"


فالإسلام بالنسبة للمسلم الذي اعتنق الإسلام , وآمن به هو وجود لا خيار فيه , وفرصة الحرية هنا بالنسبة للمسلم إنما تكون بالتحقق , وبذل الجهد والتحري في إثبات صحة التكليف الإسلامي , فإذا ثبت أنه تكليف من الله أو من الرسول صلى الله عليه وسلم فلا خيار بعد ذلك للمسلم (إن كان قد قال فقد صدق , إننا نأتمنه على خبر السماء ).


فهل يمكن للمسلم الذي آمن بنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم أن ينكر إٍسراءه , ويُخضع ذلك للاختيار ؟ أم لا بد له منطقياً من ترتيب النتيجة المتحصلة على المقدمة التي آمن بها كما فعل أبو بكر رضي الله عنه ؟ والذي نريد أن نخلص إليه أن الحل الإسلامي اليوم بالنسبة للمشكلات الكثيرة التي نعاني منها لا يشكل اختياراً للمسلم


وما يطرح على الساحة الفكرية اليوم من المغالطات لون من التضليل , لا بد من انتشال المسلمين منه, فكلما طولب المسلمون بضرورة الالتزام بالإسلام والتخلق بأخلاقه ، والاحتكام إلى شرعه ارتفعت الأصوات هنا وهناك تردد قوله تعالى : "لا إكراه في الدين" ولا ندري كيف يكون تصور الدين بتشريعاته وعقوباته وتكاليفه ومؤيداته عند هؤلاء القوم إذا كانت كل جزئية , وكل تكليف يخضع لـ "لا إكراه في الدين" ويقع في دائرة الاختيار ، وكيف يمكن أن يسمح في المجال الثقافي بهذه المغالطات الفكرية ، واستمرار نقض الغزل من بعد القوة .


نعلن بأننا مؤمنون ثم نتنكر لهذا الإيمان , ونلغي نتائجه من مسيرة الحياة كلها ، تحت شعار"لا إكراه في الدين" ؟؟!.


بعد هذا يمكننا القول : إنه لا خيار للمسلم المدرك لأبعاد إسلامه من أن يتحقق بأبعاد الرؤية القرآنية الشاملة ، وأن يبحث ويتحرّى ؛ ليعرف حكم الله في كل أمر , وشأن من شؤونه الخاصة والعامة ، وأن يتسلح بالتقوى ؛ لتتحقق له ملكة الفرقان .


فالرؤية القرآنية ليست نظرية فلسفية ، أو معارف باردة بعيدة عن صياغة السلوك وتوجيهه ، ولا خيار له أيضاً في القعود عن إدراك هذه الأبعاد بشكل سليم وكامل ، وتلقى البيان من الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أن يديم النظر في مرحلة التطبيق ( السيرة النبوية ) تلك المرحلة التاريخية التي تم فيها ميلاد المجتمع الإسلامي الأول ( مجتمع القدوة ) وأن يديم النظر أيضاً في الظروف والشروط , والمراحل التي تم فيها ذلك الميلاد , حتى يمكنه تعدية الرؤية والاهتداء بالماضي المعصوم (مرحلة السيرة ) للنهوض بالحاضر , واستشراق آفاق المستقبل.


ومن المفارقات العجيبة حقاً في عالمنا الإسلامي , وبعد هذه الحال التي انتهي إليها أن يستمع الإنسان إلى أصوات هنا وهناك , تردد القول بـ "الحتمية التاريخية " وتجهد نفسها في محاولة التدليل على صحة مقولتها ، وقد تصل في تفسيراتها العجيبة لتاريخ البشر الذين يخطئون ويصيبون إلى درجة تزري بالعقل البشري " العلمي " نفسه.


ونحن لسنا ضد معرفة السنن في الأنفس والآفاق ، والتعامل معها ، والاعتبار بحوادث التاريخ التي تحمل رصيد التجربة البشرية , وتختصر المسافة الزمنية بالنسبة لإنسان اليوم , ونعتقد أن الذي يتخلى عن ذلك إنما يتخلى عن ذاكرته وشخصيته .


فالقرآن الكريم أول من اعتمد الحادثة التاريخية , ووجه إلى ضرورة الانتفاع بها , وطلب السير بالأرض , والنظر في تاريخ الشعوب والأمم , وكيف كانت عاقبتها , وعدم الاقتصار على التاريخ الخاص بالأمة المسلمة , والإسلام من بعض الوجوه ثمرة للتجربة الإنسانية من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا" النمل 69.


لكن المشكلة حقاً بالنسبة لمسلم اليوم هي تجاهل ما بيّنه القرآن الكريم من العبر والدروس الخالدة , وما قصه علينا من أحوال الأمم السابقة التي سادت ثم بادت, وأسباب انقراضها , وعدم الاعتبار بذلك , وأخذ الحذر , وهو الكتاب المعصوم الذي ورد بالتواتر ؛ ذلك أن آيات القرآن الكريم ـ في عصر السقوط والتخلف ـ حتى لو رفعناها شعاراً لبعض مؤتمراتنا ولقاءاتنا وابتدأنا إذاعاتنا بقراءتها فهي في حياتنا أقرب للتبرك من قدرتنا على استيعاب درسها ، وأخذ أنفسنا بمدلولاتها والتحقق بعبرها .


ولقد تحولت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عند كثير منا إلى مناسبات وأعياد واحتفالات ومواسم وموالد , تنسج حولها الخرافة , وتمجد فيها البدعة , وتُهزم فيها الحقيقة , وتغيب عنها السيرة الصحيحة , التي تولد العزيمة الصادقة , وقد لا تختلف موالدنا الحديثة (اجتماعات ، مناسبات ، احتفالات) عن تلك الموالد الخرافية من حيث الطرب ، وضياع النتيجة والأثر.


من هنا نقول ونحن على أبواب شهر ربيع الأنوار : إن المطلوب من المسلمين اليوم بعد هذا السقوط المريع على مختلف الأصعدة ، وهذه العقوبات المتعاظمة التي يوقعها الله تعالى بنا على يد أشد الناس عداوة لنا - اليهود – فرضية العودة المبصرة إلى القرآن الكريم ؛ لأخذ العبرة والدرس , وإدامة النظر في السيرة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم , مع اعترافنا بعدم إمكانية استعادة التاريخ بأشخاصه وحوادثه وملابساته ومشكلاته ، واسترداده بتفاصيله كلها لصناعة الحاضر , إلا أنه بإمكاننا استشهاد التاريخ ، والاهتداء به , والاعتبار بدروسه والبصارة في ضوئه , والتحقق بالسنن التي حكمته , والتي لا بد أنها حاكمة للأمم والشعوب؛ لمعرفة الحاضر , وإبصار المستقبل .


فإن كان الأمر كذلك بالنسبة للتاريخ , فكيف يكون الموقف بالنسبة للسيرة النبوية , وهي الفترة المعصومة من التاريخ , التي لا يجوز إخضاعها لمقاييس وتقويمات الحادثة التاريخية من كل وجه ؟ وكيف يكون الموقف بالنسبة للقرآن الكريم , وما عرض له من السنن والنماذج التطبيقية من حياة الأمم ؟ وحتى لا نستمر في التجريد بعيداً عن المثال التطبيقي سوف نعرض لأنموذج من السيرة ـ إجلاء يهود بني النضير – بعد أن نقدم له بمقدمات نرى أنه لا بد منها.


ـ لقد بدا الصراع مع يهود منذ اليوم الأول للبعثة النبوية ؛ لأنهم كانوا يرون في الإسلام والنبي الجديد صلى الله عليه وسلم تهديداً لمعتقداتهم , وكشفاً لتحريفهم كلام الله ، وتاريخهم السيّئ مع أنبيائه ، وخطراً على قيادتهم الدينية للعالم , وخوفاً من انتقال هذه القيادة إلى المسلمين أصحاب الرسالة الخاتمة .


فالمعركة الحقيقية كانت ولا تزال معهم "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" البقرة : 217 فواجهوا ذلك بكل ما يمتلكون من حقد وكيد وتآمر وتخريب وغدر ، سواء أكان ذلك مواجهة مباشرة , أو من داخل الصف المسلم نفسه باصطناع النفاق والمنافقين ، ومن ثم تغذية الملل والنحل الباطلة والخارجة عن الإسلام باسم الإسلام , فهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا , وهم شياطين النفاق الذين صنعوه ورسموا دوربه.


المساحة التعبيرية الكبيرة التي خصصها القرآن الكريم للكلام عن بني إسرائيل وتاريخهم وأخلاقهم وعلاقتهم بالنبوة ليست عبثاً , وتكاد تكون المحور الرئيس لمعظم سور القرآن وآياته , حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم، فلا يقعوا بما وقع به يهود , وهم الذين نيطت بهم القيادة الدينية للعالم , فلم يرعوها حق رعايتها ؛ وليأخذوا حذرهم من جانب آخر ؛ لأن التأمر اليهودي لن يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها.


ـ خاطب القرآن الكريم يهود الذين عصروا البعثة ، ونسب إليهم الجرائم والمؤامرات التي مارسها أجدادهم مع البشرية وأنبيائها , وكأنهم هم أصحاب تلك الجرائم وفاعلوها , وكأن المكر والخداع والتأمر أصبح جبلّة وخلقاً وشيئاً عضوياً يلازمهم , ينتقل من الأجداد إلى الأحفاد .


ولعل المجتمع المغلق الذي يحرصون عليه هو السبب في استقرار هذه الحقائق المعوجة واستمرارها , وفي سيادة مناخ المكر والتآمر والمحافظة عليه وتوارثه ، ومع إن المسئولية في الإسلام فردية (ولا تزر وازرة وزر أخرى) إلا أنها بالنسبة ليهود جاءت جماعية , فكان تقريع الأبناء بما فعل الآباء من الجرائم من قتل الأنبياء والقول على الله غير الحق ... الخ.


اختبر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود عصره بالاعتراف لهم بالحرية الدينية , والتعامل معهم ، وتوقيع الصلح والمعاهدات مع فرقهم , وطوائفهم ـ بني قينقاع والنضير وقريظة – وأعطاهم حقهم كاملاً غير منقوص في معاهدته لهم عندما وصل إلى المدينة المنورة , وجعلهم على قدم المساواة مع المسلمين في الدفاع عنها , فماذا كانت نتيجة التجربة الميدانية ـ تجربة الرسالة الخاتمة – معهم ؟ تلك التجربة التي لا بد من الاهتداء بها وعدم القفز من فوقها في التعامل معهم , كما هو واقع اليوم في عالم المسلمين.


ولسنا الآن بصدد الكلام عن تهديدات بني قينقاع المباشرة للمسلمين في أعقاب غزوة بدر الكبرى , وتهوينهم من شأن الانتصار , وقولهم : لقد لاقى محمد صلى الله عليه وسلم في بدر قوماً أغماراً ـ لا علم لهم بفنون القتال ـ لو نازلنا لأريناه كيف يكون القتال !.


وخوفهم من توجه أمر الإسلام, واعتدائهم على المرأة المسلمة في حيهم , ولا عن صناعة النفاق التي هزت الصفوف في غزوة أحد قبل المعركة , حيث عاد ابن أبيّ بمجموعته ؛ مخذلاً قوة المسلمين وهم في الطريق إلى المعركة ؛ثم كيف تأصل النفاق ليصبح ضرباً من الفرق الباطنية التي تعيش في حلق المسلمين , وتمكّن ليهود من جديد ...


ولا على خيانة يهود بني قريظة وتحزيبها الأحزاب في غزوة الخندق ، وشهادتها للكفار بأن الأوثان أهدى من إله محمد صلى الله عليه وسلم , وإنما الأنموذج الذي نعرض له بمناسبة شهر ربيع الأنوار هو غزوة يهود بني النضير , حيث تم إجلاؤهم في هذا الشهر الكريم , نعرض لهذا بعد أن تعاظم أمر يهود اليوم ـ إسرائيل ـ وأصبحت ذراعهم ممتدة إلى المكان الذي يختارونه في العالم الإسلامي , وبدأت بذور اليأس والإحباط والاستخذاء تتسلل إلى بعض النفوس ، وخيم مناخ الهزائم على الرؤوس , إلى درجة أصبحت قريبة من الحال التي كان عليها الأمر بعد هزيمة أحد ، وشيوع النفاق ، وموقف يهود بني النضير من الاعتزاز بالقوة والتهديد للمسلمين...


ففي أعقاب غزوة أحد , وبعد الجراحات والقروح التي أصابت المسلمين ، والانتكاسات النفسية التي لحقت ببعضهم ؛ بسبب مناخ الهزيمة الذي وجد فيه المنافقون - وعلى رأسهم ابن أُبي بن سلول - فرصتهم للنيل من الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين , ولمّا يمض وقت طويل على إخراج يهود بني قينقاع من المدينة المنورة , وقد كانت نفوس يهود الباقين – النضير وقريظة- معبّاة عامرة بالحقد ؛ استغلوا الفرصة لتضخيم انتصار قريش , وإظهار المسلمين بمظهر الضعف والوهن ، وقالوا : ما محمد إلا طالب مُلْك ، ما أصيب نبي هكذا قط في بدنه وأصحابه , وهكذا وبدؤوا يتطاولون ويتآمرون مع المنافقين , وتناسوا العهد الذي كتبوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم...


خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه في شهر ربيع الأول إلى بني النضير – وكانت حصونهم على ميلين من المدينة - يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري حينما رجع من بئر معونة تنفيذاً للعهد معهم , فلما أتاهم قالوا : نعم أبا القاسم , نعينك على ما أحببت : ثم خلا بعضهم ببعض : فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إلى جنب جدار من بيوتهم ـ فمن يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟! .


فانتدب لذلك أحدهم , فصعد ليُلقي الصخرة , فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأخبره بما أراد القوم , فقام صلى الله عليه وسلم مظهراً أنه نهض , ليقضي حاجته , وترك أصحابه , ورجع إلى المدينة مسرعاً ... إلى آخر ما ورد مما هو معروف في مظانه من كتب التفسير والسيرة.


وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم ، وبعث رأس النفاق ابن أبي بن سلول إليهم أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم , إن قوتلتم قاتلنا معكم , وإن أخرجتم خرجنا معكم ...وحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أياماً ، وهم قد تحصنوا ينتظرون نصرة المنافقين دون جدوى ، إلى أن أُجلوا عن المدينة المنورة , وفيهم نزلت سورة الحشر ، ومن آياتها ذات الدلالة الكبيرة على ما نعاني اليوم قوله تعالى : "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" الحشر : 2


"ما ظننتم أن يخرجوا" الكثيرون في عالمنا الإسلامي اليوم يعيشون الإحباطات المتتالية – كنتيجة طبيعية لإقصاء شريعة الله , وما استتبع ذلك من الهزائم المتتالية - ويسيطر عليهم مناخ الهزيمة , ويتنفسون هواءه , فذراع إسرائيل تصل إلى المكان الذي تريد , من أقصى الشرق العربي إلى أقصى المغرب العربي ، والكتابات الكثيرة هنا وهناك تسهم بإنهاك العرب المسلمين , وتحقيق هزيمتهم النفسية من حيث تدري , أو لا تدري بأن إسرائيل باتت تمتلك أسلحة ذرية ، وتطور الطائرات وتحدّث التكنولوجيا إلى درجة بدأت معها روح التخاذل تسري إلى جماهير المسلمين , وتورث لأجيالهم بعد أن استولت على مؤسساتهم , وهنا مكمن الخطورة.


وتمارس إسرائيل الصلف والكبر والعدوان , وتوقظ النزعات الطائفية والقبلية والعنصرية والإقليمية , وقد وجدت هذه الأمور هوى دائماً في مجتمعنا العربي , إذا ابتعد عن الإسلام , والحالة التي انتهينا إليها اليوم من وجود التحالفات داخل مجتمع المسلمين , لا يحجبها اليوم شيء , لقد وصلنا فعلاً من الناحية النفسية ، إلى مرحلة يصدق علينا فيها قوله تعالى : "مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّه".


لقد ألغينا الاعتبار من تجربتنا ، وعجزنا عن البصارة...


وهنا قضية أخرى , نرى أنه لا بد أن نعرض لها ، ونحن بسبيل الاستضاءة والتحقق بالرؤية الإسلامية التي لا خيار للمسلم إزاءها, وهي أن التمزق والضياع اللذين نعاني منهما على مختلف الأصعدة أفقدنا التوازن المطلوب , وأضاعا علينا الجهات.


لقد أسقط الكثير من المسلمين اليوم البعد الغيبي عن صياغة حياتهم , مما أفقدهم مجرد الأمل الدافع إلى التغيير "فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ" صحيح بأن الله تعالى ناط هذا الدين بعزمات البشر , وأجراه على السنن الجارية في الإعداد والاستعداد ، ولم يربطه بالخوارق والمعجزات , ونبه المسلمين أن يأخذوا حذرهم , فينفروا ثبات , وينفروا جمعياً , وأن يعدوا ما استطاعوا من قوة , كما بين لهم أعداءهم الحقيقيين , غير أن ذلك لم يتعارض إطلاقاً مع ضرورة استحضار البعد الغيبي.


وعلى الرغم من التخفيف الوارد في مواجهة الأعداء في قوله تعالى :" الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً" الأنفال : 66 بقي للبعد الغيبي دوره " فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين".


وقد تكون المشكلة في مسلمي اليوم أنهم يقصرون في استكمال عوامل النصر المادية ، ويقعدون عن التحقق بشروطه المعنوية, ورغم ذلك ينتظرون النصر , يطلبون ما يعتبرونه حقاً لهم , وينسون واجباتهم المشروطة فيهم , لتحقق المعادلة المطلوبة "إن تنصروا الله ينصركم" .


وأعتقد لو أنا صرفنا بعض ما كُتب عن العدو الإسرائيلي خلال ما يزيد على نصف قرن ـ عن انهيار مجتمعه , وهجرته المضادة , وأزماته الاقتصادية التي جعلتنا دائماً نمارس حالة الانتظار لسقوطه , دون أن يكون لنا دخل في ذلك - لو أننا صرفنا جزءاً من ذلك لإصلاح جوانب الخلل في نفوسنا ، ولإعداد الأمة , وتبصيرها بعدوها ، وإعادة بناء مجتمعنا على أصوله الإسلامية الصحيحة , حيث لا خيار للمسلم , ولا بديل عن الحل الإسلامي الذي يجب أن تُهيّأ مقوماته ، لأننا إذا طرحنا الشعار ـ الجهاد المقدس ـ دون أن نهيّئ له مقدماته , نكون قد افتقدنا آخر مواقعنا ـ والعياذ بالله ـ وقد يكون ضرورياً أكثر من أي وقت مضى استعادة البعد الغيبي الإيماني الذي يبعث الأمل , ويشحذ الفاعلية ، ويدفع إلى العمل ، ويكفي أن نذكّر بخصيصة واحدة من خصائص المجتمع الذي انتصر على يهود بإعداده - وقبل ذلك كله بتأييد الله له – علّها تحقق لنا الاعتبار , وتعيد إلينا بعض خصائصنا المفقودة.


ـ لما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم فيء بني النضير ، قال للأنصار : "إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة , وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم , ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة " .


فقالوا : بل نقسم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها , فأنزل الله تعالى : "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" الحشر : 9 إنه الجيل الذي استكمل شروط النصر وعوامله المادية فوفقه الله إليه , فهل نعود إلى الحل الإسلامي من جديد ؟ !


المصدر :


مجلة الأمة القطرية , العدد 63 , السنة السادسة , ربيع الأول سنة 1406هـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ما ظننتم أن يخرجوا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بربيح :: ۞ منتديات الدين الاسلامي الحنيف ۞ :: التاريخ العالمي والإسلامي-
انتقل الى: