تطور العمارة في مدينة دمشق
أثناء حفرية أثرية في صحن الجامع الكبير، تم العثور على كسر فخارية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهذا دليل على أن باطن دمشق يحوي على أسرار التراث القديم الذي لم يكشف عنه بعد. وأثناء ترميم الجدار الشمالي للجامع الكبير ذاته، تم العثور على لوح لنحت نافر يمثل أبا الهول، حيوان مجنح يعود ولاشك إلى العصر الآرامي أي إلى الألف الأول قبل الميلاد. ولم تقدم الحفريات الأثرية في دمشق الدليل على الآثار والعمارة الآرامية مما نراه بوضوح في موقع عين دارا قرب عفرين، وفي عين العرب.
لذلك فإن أقدم ما نعرفه جيداً من الآثار القديمة ومازالت في دمشق، آثار معبد جوبيتر وبخاصة البروبيله وأجزاء من السور البيريبول والواجهة الجنوبية للمعبد والباب الشرقي للمدينة وقوس النصر، وهذه البقايا تقدم لنا نماذج راقية لفن العمارة في العصر الروماني، ونحن نعرف في دمشق مواقع نماذج أخرى لم يتم الكشف عنها بعد.
ومن العصر البيزنطي تم الكشف في منطقة الحريقة على بقايا قصر ذي أرضية فسيفسائية أو رخامية ملونة، ولا نملك في دمشق شاهداً كاملاً على عمارة بيزنطية مما نعرفه جيداً في منشآت البارة وقلعة سمعان.
ومنذ الفتح الإسلامي سنة 634م ابتدأت سلسلة من المنشآت مرّت بأسلوبها بمراحل ثلاثة: المرحلة الاستمرارية التي نرى نموذجها في الجامع الأموي الكبير، وفيه استفاد المعماريون في عصر الوليد بن عبد الملك 705-715م، من بقايا معبد جوبيتر المتراكمة أطلال حول الناووس الروماني الذي استعمل كنيسة، ولذلك فإن أسلوب العمارة في الجامع الكبير يذكرنا بالأسلوب الكلاسي الذي تأكد بإضافة التغطية الجدارية الفسيفسائية التي كانت من تقاليد المعمار الدمشقي قبل الإسلام
لا نعرف تفصيلاً عن الآثار العباسية في دير حران أو قصر خماروية، كما لا نعرف من بقايا العصر الفاطمي إلا محراب جامع فلوس وتابوت السيدة فاطمة وآخر للسيدة سكينة، مما لا يقدم لنا مثالاً كاملاً على العمارة الفاطمية التي وصلت ذروتها في القاهرة الفاطمية، حيث جامع الأزهر والحاكم والأقمر وحيث أبواب القاهرة وأسوارها وجميعها قائمة حتى اليوم.
وظهرت في العصر السلجوقي منشآت للتدريس والاستشفاء، نرى أمثلتها في عصر نور الدين محمود زنكي، مثل البيمارستان والحمام والمدرسة النورية والمدفن والبرج. وانتشرت العقود والقباب المقرنصة والأواوين، والزخرفة الرقشية والكتابات المتنوعة الخطوط، وكان هذا العصر بداية ازدهار فن العمارة الذي استمر في العصر الأيوبي، وكانت قلعة دمشق من أعظم المنشآت الأيوبية. إضافة إلى المدرسة العادلية والتربة الركنية والمدرسة، وجامع التوبة والحنابلة والبيمارستان القيمري وأبواب دمشق.
بلغ الإبداع المعماري أوجه في العصر المملوكي الذي امتد قرابة ثلاثة قرون. نرى شواهده في مدارس الظاهرية والجقمقية والسيبائية والصابونية وفي مساجد تنكز ويلبغا والأقصاب والتيروزي وهشام والقلعي، عدا المدافن والحمامات.
ومن العصر العثماني فإن التكية السليمانية والكلية الدرويشية وقصر العظم والخانات والبيوت الشهيرة في دمشق مثل بيت السباعي وبيت نظام وبيت العظم وبيت عنبر وغيرها، فهي تقدم نماذج جيدة لفن المارة العامة والخاصة، وفن الزخرفة المعمارية الداخلية والخارجية، وتقدم لنا شواهد من فن العمارة الدمشقية، التي تشكل وجهاً من وجوه العمارة الإسلامية المتنوعة الأشكال والموحدة الهوية والشخصية