مكانة النقود من النظام الاقتصادي
يستطيع كل متأمل للممارسة الاقتصادية الحديثة أن يتبين الدور الفعال
للنقود.فجميع العلاقات الاقتصادية بين الأفراد تقوم بها. ولو نشأت النقود
وتطورت مع اقتصاد المبادلة أي اقتصاد السوق، ومن ثم فهي لم توجد دائما في
كل المجتمعات وإنما وجدت مع وجود المبادلة وتطورت عبر تاريخها. فالنقود
بدأت كسلعة تقبل في التداول كقيمة استعمال، أي لإشباع حاجة معينة، ثم
تطورت لتصبح أداة الأفراد في الحصول على السلع الأخرى التي تشبع حاجاتهم
عند التبادل، ثم آلت في اقتصاد المبادلة الى أن تكون قيمة في ذاتها لما
تتمتع به من قبول أفراد المجتمع لها. واذا كان الأمر كذلك، فاٍنه إلى جانب
الدور الفعال هذا للنقود، فاٍنها قد تؤثر تأثيرا عكسيا على الاقتصاد
القومي، وذلك اذا ما أسيئ إصدارها من حيث النوع أو الكمية، أو التوجه إلى
الأنشطة الاقتصادية بغير الكمية الضرورية.
مما تقدم يتعين أن نستهل دراستنا بالمعرفة الأساسية عن النقود والخاصة
بنشأتها وتطورها ووظائفها، وأنواعها وخصائصها وكذا دورها في النظم
الاقتصادية المختلفة.
ماهية النقود
إن المشاكل التي تسببها العملة لا زالت معلقة في ميدان النقاش والبحث، ولا
ينتهي الأمر حولها لأنه لا توجد نظرية كاملة ونهائية للعملة والنقود.
النقود هي كل ما يتمتع بقبول عام، أي بقبول كل أفراد المجتمع لها كوسيط في
مبادلة السلع والخدمات. فالنقود أداة اجتماعية لها تاريخها.
والنقود ظاهرة اجتماعية، كونها جزءا لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي، الذي
هو بطبيعته نشاط اجتماعي. وهي لا تتمتع بصفتها هذه إلا بقبول أفراد
المجتمع لها. هذا القبول الذي تحقق من خلال عملية تاريخية طويلة.
وبذلك يكون للنقود تاريخها. إذ ابتدعتها رغبة الجماعات إلى توسيع التبادل
في بينها، فنشأتها مرتبطة بنشوء اقتصاد المبادلة أي الذي يفترض تقسيم
العمل والفائض الاقتصادي والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. و يتدعم وجودها
باٍزدياد التخصص وتقسيم العمل مع تطور النشاط الاقتصادي.
وعليه لا يمكن فهم طبيعة النقود ودورها في الحياة الاقتصادية، إلا بالتعرف في مرحلة أولى على نشأتها وتطورها مع اقتصاد المبادلة.
نشأة النقود
إذا كان من الممكن تمييز التداول النقدي من العصور القديمة، فلٍن صوره
تختلف من مجتمع لآخر. فقد بدأت المجتمعات مبادلاتها الأولى عن طريق
المقايضة، ثم لم تلبث المقايضة أن مهدت السبيل لظهور النقود. ولم تكن
النقود في أول الأمر ورقة من أحد البنوك ولا قطعة معدنية، ولكن كانت إحدى
السلع التي يتم استهلاكها أو التي تستخدم في الإنتاج. ثم تطورت النقود من
سلعة إلى معدنية ثم صارت نقودا ورقية وأخيرا نقودا مصرفية.
ويدل تطور المجتمعات على أن المقايضة كانت صورة المبادلة في العصور الأولى
من التاريخ. فقد كان التبادل قليلا يتم في حالات استثنائية، وكان يكفي
لتمامه تبادل السلع في مقابل السلع، فكانت المقايضة بذلك خطوة للأمام في
سبيل تنمية المبادلات، كافية بحاجات المجتمعات عندئذ.
والمقايضة بالمعنى المتقدم تستوجب سوقا معينة، تتقابل فيه رغبات العرض
والطلب في زمن معين وبطريقة محددة، وعدم تحقق كل أة بعض تلك العروض، توضح
صعوبات المقايضة والتي تتمثل فيما يلي:
صعوبة توافق رغبات المتبادلين.
صعوبة تحديد نسب التبادل.
صعوبة تجزئة السلع والخدمات.
ولكي تكتسب البضاعة (السلعة) خاصية النقد استدعت الصفات التالية:
تقبل عدد كبير كمقابل (بديل) في المبادلات.
تمثل قياس ثابت (متوازن) لكل السلع.
تؤدي وظيفتها كوحدة محاسبية تسمح بالتعبير عن سعر أي بضاعة بالمقارنة مع أخرى.
النقود كوسيلة دفع ومبادلة تقبل من طرف كل مشتري لسلعة معينة وبأي كمية وفي أي مكان. وكذلك كوسيلة احتياط.
غير أن هذه النقود السلعية عبرت خاصة عن فقدان ونقص حفظها وخطر الأمراض
المعدية. وبعد قرون اختار الإنسان المعادن كقاعدة( وسيط) يسير نظام
المبادلات التجارية، فالنحاس والبرونز كانا أول المعادن التي استعملت
لاستخدامات نقدية، وبقي الذهب نادرا حتى عام 2000 ق.م خرج عن نطاق التكديس
وظهر كوسيلة دفع أكثر استعمالا في المبادلات الدولية. فبعد استخدام معادن
نفيسة لتمثيل وتقييم الثروة، بدأ البشر يستعملون رموزا بحتة اتضح عبر
استعماله أن العملة شيء مجرد ولا تتجسد حتميا في مادة معينة. فاستعمل
الناس الورق والكتابة ثم الإشارات الالكترونية.
خصائص النقود
مما سبق التعرض له ضمن تعريف النقود، يمكن لنا أن نستخلص الخصائص التي تميزت بها النقود دون غيرها
أ) القبول العام
تعتبر النقود وسيلة تبادل ذات قبول عام من طرف كل الأعوان الإقتصادية
(دائنين ومدنين) في كل الظروف داخل إقليم الدولة، وهذا نظرا للمنفعة التي
يجنونها، جراء إستعمالهم لها، كونها تمثل قوة شرائية عامة وكذا لما تتميز
به من سلطة وسلطان، على جميع السلع والخدمات المعروضة، أو المطلوبة في
السوق، فجميع الأعوان الإقتصاديين على استعداد لتقبلها، وذلك لشعورهم
بالقدرة على تحويلها إلى سلع وخدمات هم في حاجة لها في أي وقت أو مكان
داخل إقليم الدولة.
ب) الثبات النسبي
حتى تؤدي النقود وظيفتها كمعيار للقيمة، يجب أن تتوفر على خاصية الثبات
بحيث يمكن إستخدامها كمقياس لتقييم مختلف السلع والخدمات داخل الإقتصاد،
ذلك أن من أهم خواص المقاييس أيا كانت أنواعها هي الثبات.
فالنقود على الرغم مما يعتريها من تغيرات في قيمتها إثر إرتفاع قيم السلع
والخدمات في السوق تحت ضغوط قانون العرض والطلب، وتحت تأثيرات مختلف
الأزمات الإقتصادية، من تضخم وإنكماش، فهي تعتبر ثابتة نسبيا إذا ما قورنت
بغيرها من السلع.
جـ) القدرة على إبراء الذمة
تعد النقود من أهم الوسائل المستخدمة في تبرئة الذمة، فعندما يسدد المدين
لدائنه القيمة المستحقة عليه فإن الدين ينطفئ حالا، ولذلك اكتسبت النقود
هذه الصفة أمام أي نوع من أنواع الالتزامات المالية التي قد تنشأ بين
مختلف الأعوان الإقتصادية، وهي تستمد قدرتها في تحقيق ذلك من قوة القانون،
بإلزام مختلف الأطراف المتعاملة قبولها، كوسيلة للدفع والوفاء بالديون من
جهة، ومن جهة أخرى من ثقة هذه الأطراف بالجهة التي تقوم بإصدارها، كالبنك
المركزي، المعزز بأجهزة السلطة التي تراقبه.
يمكن في الأخير تحديد الخصائص الأساسية التي تتسم بها النقود المعروفة بشكلها الحالي في النقاط التالية:
أنها تتمتع بطلب عام والجميع يقبل التعامل بها بسهولة ويسر.
أن قبولها العام ناشئ عن كونها أداة مناسبة لتأدية وظائفها الأساسية وسيطا للتبادل ومعيارا للقيمة.
أنها ذات قيمة مرتفعة قياسا إلى حجمها الصغير وسهلة الحمل.
أنها أداة مناسبة للادخار ويمكن الاحتفاظ بها دون خسارة أو تلف لفترة طويلة.
أن وحداتها متجانسة.
أنها قابلة للتجزئة دون تحمل أي تكاليف أو نقصان في قيمتها.
إن احتفاظ النقود بثبات نسبي في قيمتها وقوتها الشرائية يجعلها أكثر كفاءة من غيرها في تأدية الوظائف الأساسية والمشتقة لها.